سوابق قضائية في ديوان المظالم هو ما سنركز عليه في مقالنا اليوم. فالدولة شخصية معنوية تحكم وتقدم الخدمات للمواطنين من خلال استخدامها لأشخاص يسيرون أعمالها وتفرض من خلالهم إرادتها.
وعليه؛ فإن رجال الأمن والجيش وجميع الموظفين الحكوميين العاملين في الدولة إنما هم وسيلة الدولة لتقديم الخدمات للمواطنين وأداة فرض إرادتها. وهذا ما أتاح لهذه الفئة من العاملين الحكوميين شيء من السلطة والصلاحيات لأداء مهامه الوظيفية بشكل فعال.
ومن المفترض ألا يعمل حائز هذه السلطة على استغلالها لمصالحه الشخصية أو الاعتداء على الآخرين دون وجه حق، أو يقترف أي فعل من شأنه الانحراف عن الأهداف التي حصل بموجبها على هذه السلطة والصلاحيات، وإن كانت لهذه السلطة حدود واضحة نصتها القوانين فإن تجاوزها بأي شكل كان يعد إساءة لاستعمال السلطة، ومن شأن هذه الإساءة تعطيل المصالح العامة.
بالاستناد إلى ما سبق؛ وجبت معاقبة كل شخص يسيء استخدام السلطة الموكلة إليه من الدولة. فحرصت المملكة العربية السعودية على وضع القوانين التي تتناول حالات إساءة استعمال السلطة. وشكلت لجنة خاصة للنظر في شكاوى إساءة استعمال السلطة وهي “لجنة معالجة شكاوى إساءة استعمال السلطة من قبل رجال الأمن” بموجب المرسوم الملكي رقم(2095/ م ب) بتاريخ 4/4/1432 ه. حيث تتولى مهام جمع وتقييم الاستدلالات في قضايا إساءة استعمال السلطة من قبل رجال الأمن.
تفاصيل كثيرة ستجدونها حول موضوع سوابق قضائية في ديوان المظالم في مقالنا… تابعونا.
محتويات الصفحة
المنازعة حول إساءة استعمال سلطة من قبل رجل أمن
يحظى رجل الأمن بمكانة جيدة وسلطة مهمة في المملكة العربية السعودية، ويحدث أن يسعى رجل الأمن إلى استعمال هذه السلطة بما ينافي أهدافها. من ناحية أخرى قد يجد بعض الأشخاص في استعمال أصحاب السلطة لسلطتهم الشرعية تجاوزات أو يعجزون عن تقدير حق صاحب السلطة في استخدام سلطته.
وعليه؛ فقد ينشأ نزاع بين المواطن ورجل الأمن كما هو الحال في الشكوى رقم 13759 بتاريخ 2/4/1439 هـ، والتي قام مواطن بتقديمها إلى لجنة معالجة شكاوى إساءة استعمال السلطة من قبل رجال الأمن، ضد أحد رجال الأمن العاملين في شرطة محافظة عين الجواء في المملكة العربية السعودية.
حيث أدعى قيام المدعى عليه بإساءة استعمال السلطة الممنوحة له بصفته رجل أمن، وخالف الأنظمة والتعليمات الخاصة به وأساء معاملته أثناء توقيفه للمدعي وابنته داخل محافظة عيون الجواء. لكن لجنة معالجة شكاوى إساءة استعمال السلطة من قبل رجال الأمن قامت بحفظ الدعوى المقدمة من المدعي بقرار رقم 18776 بتاريخ 22/5/1439ه.
لكن المدعي رفض قرار اللجنة وقام على إثره بالتقدم بدعوى طعن بالقرار الإداري ذات الرقم 3304 لعام 1439 ه، إلى ديوان المظالم يطالب بها بإلغاء قرار لجنة معالجة شكاوى إساءة استعمال السلطة من قبل رجال الأمن والذي يتضمن حفظ الشكوى التي قام بتقديمها في إمارة منطقة القصيم.
فيما قدم ممثل المدعى عليه دفاعاً تمثل بعدة طلبات هي مطالبة المحكمة برفض الدعوى شكلاً بسبب تجاوز المدعي للمدة القانونية المتاحة لرفع الدعوى. بالإضافة إلى مطالبتها برفض الدعوى لعدم الاختصاص حيث أن ديوان المظالم غير معني بالنظر في قرارات اللجنة.
ومن ثم فإن المرسوم الملكي رقم(2095/ م ب) بتاريخ 4/4/1432 ه، والذي تضمن تشكيل اللجنة، علل سبب تشكيلها أن محاكمة رجال الأمن أمام ديوان المظالم ذو آثار سلبية على معنوياتهم، ومن ثم أصبحت اللجنة هي المسؤول القانوني عن متابعة هذه الشكاوى المتعلقة بهم.
بالإضافة إلى ذلك قام بالاستعانة بقرار وزير الداخلية رقم 80089 بتاريخ 23/12/ 1432ه، والذي تضمن إبلاغ صاحب الحق الخاص بالقرار الصادر عن اللجنة. وذلك بالاستناد إلى نص المادة 63 من نظام الإجراءات الجزائية. بحيث يتم تحرير طلبه بالتعويض أو الدية أمام اللجنة أو من خلال إحالة الشكوى الخاصة به للمحكمة الشرعية لسماع دعواه بالدية أو التعويض فقط. حيث لا يجوز له المطالبة بالقصاص كما يجب ألا تزيد قيمة التعويض عن قيمة الدية الموضوعة شرعاً.
إلا أن المدعي بعد اطلاعه على ما تم تقديمه من قبل ممثل المدعى عليه، رد من خلال تقديم مذكرة تتضمن تعقيباً على ما جاء به. حيث طالب المحكمة بمواصلة النظر في الدعوى والفصل فيها وعدم رفضها بحجة عدم الاختصاص. فالمرسوم الملكي الذي تضمن تشكيل اللجنة، تضمن أيضاً أحقية صاحب الحق في الاعتراض أمام الجهات المختصة. وعليه فإن ديوان المظالم هو المختص بنظر حالات الطعن على القرارات.
بالإضافة إلى أن اتخاذ ممثل المدعى عليه لقرار وزير الداخلية رقم 80089 بتاريخ 23/12/ 1432ه، كدليل كان خاطئا، حيث أن القرار جاء مفسراً للأمر السامي ولا يجوز أن يكون لاغياً له. وأن ما يتضح من نص القرار أن المقصود به حالات إساءة استعمال السلطة بما فيه اعتداء على النفس وما دونها، وفي هذه الحالة تتضمن شكوى المدعي شكل آخر من الاعتداء وهو إيذاء معنوي.
كما كان ينبغي على اللجنة إحالة الشكوى للنيابة العامة حيث أن محقق النيابة العامة هو من يحوز صلاحية حفظ أوراق الدعوى أو السير فيها، ومن ثم فإن قرار اللجنة بالحفظ جاء دون وجود سبب يشرع حفظ الأوراق.
وبعد حضور طرفي الدعوى والاكتفاء طلبا الفصل في القضية، ومن ثم قررت المحكمة الإدارية إلغاء قرار لجنة معالجة شكاوى إساءة استعمال السلطة من قبل رجال الأمن بإمارة منطقة القصيم قامت رقم 18776 بتاريخ 22/5/1439 ه. والذي يتضمن حفظ الشكوى المقدمة من المدعي ذات الرقم 13759 بتاريخ 2/4/ 1439 ه. وبعد قيام المدعى عليه بتقديم لائحة لاستئناف الحكم، قامت محكمة الاستئناف بتأييد حكم المحكمة الابتدائية.
المبادئ القانونية التي اعتمدتها المحكمة لإطلاق الحكم
قررت المحكمة قبول الدعوى وإلغاء قرار لجنة معالجة شكاوى إساءة استعمال السلطة من قبل رجال الأمن للأسباب التالية:
- من حيث الاختصاص، نص الأمر السامي أن لصاحب الحق تقديم اعتراض على قرارات لجنة معالجة شكاوى إساءة استعمال السلطة من قبل رجال الأمن أمام الجهات المختصة. ونظراً لأن القرار الذي أصدرته اللجنة هو قرار إداري صدر عن لجنة ابتدائية ليس عليها رقابة، بالإضافة إلى أن الأمر السامي رقم (2095/ م ب)، وكذلك قرار وزير الداخلية رقم 80089، لم يتضمن توضيحاً للجهة التي ينبغي التظلم أمامها على قرارات اللجنة. وعليه فإن الاعتراض يتم لدى الجهة المعنية بها نظاماً، وعليه؛ فإن المحاكم الإدارية هي المعنية بالطعن في قرارات اللجنة، وذلك بالاستناد إلى نص الفقرة الثانية من المادة الثالثة عشرة من نظام ديوان المظالم، الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/78 بتاريخ 19/9/ 1428ه.
- من حيث الاختصاص المكاني، فإن الدعوى تدخل في اختصاص المحكمة المكاني وذلك وفقاً لنص المادة الثانية من نظام المرافعات أمام ديوان المظالم الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/3) بتاريخ 22/1/ 1435ه.
- فيما يتعلق بتجاوز المدعي للمدة الزمنية الخاصة بتقديم الدعوى، فإن المدعي قام بتقديم الشكوى الخاصة به أمام اللجنة بتاريخ 2/4/ 1439ه. ومن ثم قامت اللجنة بالإجماع على حفظها 6/5/1439 ه، وبعدها صدر قرار الحفظ في 22/5/ 1439 ه، في حين أقام المدعي دعواه أمام المحكمة لإلغاء قرار اللجنة في 17/7/ 1439 ه. وعليه فإن المدعي لم يتجاوز المدة الزمنية المتاحة للطعن، وذلك وفقاً للمادة 8 من نظام المرافعات أمام ديوان المظالم.
- من عيوب القرار الإداري الصادر عن لجنة معالجة شكاوى إساءة استعمال السلطة من قبل رجال الأمن، والتي قامت بالاستناد فيه إلى نص المادة 63 من نظام الإجراءات الجزائية والتي تجيز للمحقق الأمر بحفظ الأوراق إذا لم يجد وجها لسير الدعوى. إلا أن اللجنة لم تتقيد ما جاء في المادة 42 من اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية والتي تتضمن أن الأمر بحفظ الأوراق لا بد أن يتم بشكل كتابي ويضاف إليه السبب الذي دفع المحقق لاتخاذ قرار الحفظ.